افهم المعلومات ،تفهم الثقوب السوداء.افهم الثقوب السوداء، تفهم القوانين المطلقة للكون. تشارلز سايف
لقد اتضح أن المعلومات تشكل كوننا بالمعنى الحرفى للكلمة ،وربما تحدّد حركة المعلومات التركيب المادىّ للكون إلى حدّ بعيد.ويبدو أنّ هذه المعلومات تقع فى قلب أعمق تناقضات العلم الظاهرية -كأحجية النسبية وميكانيكا الكم-مثل نشوء ومصير الحياة فى الكون،أو طبيعة القوة التدميرية الهائلة للثقوب السوداء أو الترتيب الخفى لما يبدو أنه كون عشوائى.
لقد بدأت قوانين المعلومات فى إماطة اللثام عن إجابات لأكثر أسئلة العلم عمقًا، لكن هذه الإجابات بدت بطريقة ما أكثر غرابة وإرباكًا من تلك التناقضات الظاهرية التى سعت إلى حلها.فالمعلومات تقودنا لتكوين صورة عن كون يسرع خطاه باتجاه هلاك مخلوقاته الحية كما لو كانت عالة متطفلة عليه،وتؤدّى بنا إلى تصور لا يمكن تصديقه عن كون بيزنطى يتألف من تجمع هائل من الأكوان المتوازية.
(ايه اف بها نقص مياه) تلك هى الكلمات الخمسة التى أغرقت الأسطول اليابانى. ففى ربيع عام 1942 حيث كانت القوات المسلحة الأمريكية تترنح بتأثير سلسلة متتالية من الهزائم حيث كانت البحرية اليابانية ذات الذراع الطولى فى المحيط الهادى تندفع بقوة تجاه الأراضي الأمريكية.ومع أن الوضع كان رهيبًا إلا أن خسارة الحرب لم تحدث،فقد كان مفككوا الشفرة الأمريكان على وشك استخدام سلاح لا يقل أهمية عن القنابل والمدافع:إنه سلاح المعلومات.
لقد قاموا بتفكيك الشفرة JN-25، وهى الشفرة التى كانت تستخدمها البحرية اليابانية، وكانت عصية على الحل.لكن بحلول شهر مايو من عام 1942 نجح مفككو الشفرة بشق الأنفس فى الولوج إلى الدهليز الرياضى لتلك الشفرة وكشفوا عن المعلومات المخبأة بداخلها.
وطبقًا للرسائل التى تم اعتراضها وتفكيك شفرتها ،فإن قاعدة امريكية اسمها الرمزى AF كانت على وشك التعرض لهجوم بحرى كبير.وقد عرف مفككو الشفرات الأمريكان أن AF عبارة عن جزيرة فى المحيط الهادى (أغلب الظن فى القطاع الأوسط) لكنهم لم يعرفوا على وجه الدقة أى جزيرة بالضبط.فإذا قاموا بالتخمين خاطىء فسوف تدافع البحرية الأمريكية عن جزيرة أخرى غير تلك المقصودة ،وسيكون بمقدور العدو اجتياح هدفه الحقيقى بلا مقاومة ، لكن إذا استطاع مفككو الشفرة تحديد الجزيرة التى تعنيها AF وتوقعوا هدف الأرمادا اليابانية،فسيتمكن الأمريكان من تركيز أسطولهم لضرب القوة الغازية.كان كل شىء-الحرب فى المحيط الهادى-معلقا على هذا الجزء المفقود:أين تقع AF ؟
وضع القائد جوزيف روشفورت رئيس مركز تفكيك الشفرات بالبحرية الأمريكية فى بيرل هاربور، مخططا للحصول على هذا الجزء المفقود من المعلومات،فأصدر أمرا لقاعدة موجودة فى القطاع الأوسط لكى تقوم بطلب المساعدة عن طريق الهاتف بحيث تنص المحادثة أن محطة تحلية المياة فى القطاع الأوسط قد أصيبت وأن القاعدة بدون مياة نقية تقريبا. وقد استمع اليابانيون الذين كانوا يتنصتون على مراسلات القطاع الأوسط لهذا الإرسال أيضا،وهو ما كان روشفورت ينتظره بالضبط.ولم يمض وقت طويل على إرسال تلك الرسالة الهاتفية،حتى التقطت مخابرات البحرية الأمريكية رسالة خافتة لليابانيين على الموجات الهوائية:(AF بها نقص مياه).وهكذا حصل روشفورت على الجزء المتبقى من المعلومة. AF تقع فى القطاع الأوسط.
لقد خسرت اليابان المعركة ، وبالتالى خسرت الحرب فى المحيط الهادى ، ولم تعد البحرية اليابانية تشكل خطر على الأراضى اليابانية مرة أخرى،وبعدها بدأت الولايات المتحدة أطول هجوم عسكرى وأصعبه على الأراضى اليابانية.
كانت الحرب العالمية الثانية أول حرب للمعلومات، وكما استخلص مفككو الشفرة الأمريكان المعلومات من الشفرة JN-25 ومن شفرات الإمبراطورية اليابانية،قامت صفوة من مفككى الشفرة الإنجليز والبولنديين بتفكيك شفرة إنيجما الألمانية التى كانت يفترض أنها عصية على التفكيك.وكما سمحت للمعلومات بهزيمة اليابان،فإن معلومات الانيجما ، قد مكنت الحلفاء من هزيمة اليوبوتات النازية التى كانت تضيق الخناق على بريطانيا العظمى.
يرجع تصميم الشفرات إلى فجر الحضارة الغربية ، ففى عام 480 قبل الميلاد.كاد الأغريق أن يخضعوا لللغزو على يد الإمبراطورية الفارسية التى كانت أعظم قوة ، إلا أن رسالة مخفية بالشمع على أحد أقراص الكتابة قد حذرت من هذا الغزو المرتقب.وبدأ الأغريق بعد أن تم تحذيريهم عن طريق هذه الرسالة بالاستعداد للحرب فورًا،فقاموا بماجهمة قوات البحرية الفارسية بضرواة فى معركة سلاميس واضعين بذلك نهاية للتهديد الفارسى، ومبشرين بالعصر الذهبى للإغريق .
وقد غير الفشل فى محاولة نقل المعلومة أحيانًا من مسار التاريخ.فكم من رؤوس تدحرجت بسبب اكتشاف رسالة سرية او نتيجة لتفكيك شفرة. ففى عام 1587، اقتيدت مارى ملكة أسكتلندا إلى ساحة الإعدام بسبب شفرة رديئة.حيث إنها قامت أثناء وجودها فى السجن ،بالتخطيط لمؤامرة لقتل الملكة إليزابيث والاستيلاء على العرش الإنجليزى.ولانه كان يجرى تفتيش كل من يدخل او يخرج من السجن فقد لجأت مارى إلى التشفير لكى تتواصل مع أنصارها، فقامت مع شركائها بابتكار شفرة لهم،وتداولوا عدد من هذه الرسائل المشفرة التى كانت يجرى تخبئتها فى سدادت براميل البيرة.ولسوء حظ مارى فإن السير فرنسيس ولسينجهام رئيس المراقبين الإنجليز قد أكتشف بهذه الرسالة وقام بحل شفرتها.حتى إنه قام بزرع رسالة زائفة باعتبارها من مارى وموجهة للمتآمرين تحثهم فيها على الكشف على أسماء كل الرجال فى جمعيتهم السرية.
ليس مهما الطريقة التى يستخدمها مصممو الشفرات فى التلاعب بالكلمات والرموز والأرقام وكتب التشفير.وليس مهما كيف كانوا يخفون الرسائل ببراعة فى ثقوب البراميل أو حتى فى قصيدة شعر. إذ كانت هناك دوما مخاطرة لا يمكن تجنبها.
وتعتبر الخاصية الجوهرية للمعلومات بكونها حقيقة وملموسة مثل الكتلة والطاقة والحرارة من أصعب الأشياء التى يمكن قبولها ، إذ لا يمكنك رؤية أى من هذه الخصائص مباشرة لكنك تتقبّلها كحقيقة. فالعلومات حقيقة تماما.ويمكن قياسها والتعامل معها كوزن التفاحة الذى يمكن تقديره بالميزان أو تقسيمه باستخادم سكين.فحتّى أكثر الكمبيوترات تقدمًا لابد أن يكون لديها وسيلة لنقل المعلومات من مكان إلى مكان سواء عن طريق خط التليفون أو الكابل المحورى أو حتى عبر الهواء بالاتصال اللاسيلكى.فإذا اردت نقل معلومة من كمبيوتر إلى كمبيوتر آخر ، فلا بد من أن يكون هذا الانتقال ماديًا بطريقة ما.
ولأن للمعلومات وجودًا ملموسًا وقابلية للقياس ككتلة المادة ، فإن هذا يعنى إمكانية فقدها أو سرقتها كما يتم سرقة مادة بالضبط.وكما يجب على الشخص الذى يقوم بنقل كمية من الذهب من مكان إلى آخر أن يتحمل بشجاعة مواجهة مخاطر قطاع الطريق أو اللصوص.فإن القائد الذى يرغب فى تبادل المعلومات عليه أن يتحمل بشجاعة مواجهة خطر اعتراضعها وتفكيك شفراتها.
وتعدّ الفكرة بأن ما يبدو تجريديًا كالمعلومات يصبح شىء ملموسًا ويمكن قياسه فعليًا. أحد المعتقدات المركزية فى نظرية المعلومات. فقد ولدت هذه النظرية فى الأعوام التى تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة.حيث وضع علماء الرياضيات مجموعة من القواعد لتعريف المعلومات ووصف الطريقة التى تتصرف بها.
مقتبس من كتاب:Decoding the Universe: How the New Science of Information Is Explaining Everything in the Cosmos, from Our Brains to Black Holes
تعليقات
إرسال تعليق