شتاء النفس المتزن

الشتاء هو أفضل مكان لتعلم الحكمة وفهم الشخصية الفردية. ولا أعني الشتاء فصل الشتاء. بل هو المرحلة الزمنية التى تنضج بها. والنضوج مستويات تختلف باختلاف مراحل بقائك فى الشتاء ومستوى تدريباتك اليومية، وعمق روحك. الشتاء مختلف عن العزلة، ففى الشتاء انت مع الطبيعة وأفكارك ، أحلامك، أبطالك من كل الأزمنة من الواقع فى الخيال. أكثر شخص تقابله يوميا هو شخصك وفى كل يوم عليك أن تقابل شخصا جديدا، أعقل وأحكم و أكثر استقرار عن السابق، والإ كان بقائك فى الشتاء عبثا، أو أنت لست مستعدا بعد. الشتاء أحيانا يكون قارصًا وتظن أن القوة الجسدية هى التى ستجعلك تنج، ولكن الحقيقة أن قلبك هو من سيقرر سواء كنت ستنجو أو لا. بجانب القلب يجب أن يكون العقل صافيا ومستقرا حتى لا يعيقك. ابحث عن المنطقة التي يتقابل فيها العقل والقلب فهى أفضل من يرشدك إلى طريق النجاة. عليك أن تتخلص من الماضي  فى الشتاء،الشتاء لا يهتم بمن أنت وما خلفيتك المهم أن تكون صادقا للتغير، الشتاء سيجعلك قويا ومستقرا كفاية وحينما يأتي الربيع ستدرك ما الذي أعنيه. فى تدريباتك اليومية فى الشتاء ستكتشف أشياء جديدة فى نفسك وعن العالم حولك، ستقدر الألوان والكلمات البسيطة. ستكون حول الجميع ولكنك تقترب من نفسك، إن النفس عميقة للغاية، حتى إنك قد تستمر فى التدريب طوال حياتك دون أن ينتهى شتائك. ولكن الطالب الجيد، ذو الروح العميقة، سريع التدريب والاستماع إلى الطبيعة حوله، سيقدرك أهمية الاتزان فى كل شىء. ويعتبر الاتزان أهم كلمة فى الحياة، لهذا لن يتمادى فى شتائه، سيتعلم ويهدأ ويتأمل ويصير أقوى من السابق ثم ينهى الشتاء معلنا عن ربيع مزهر رائع.

لكل شتاء طقوسه ولكل شخص شتاء. أما شتائي فكن أهم تجربة حدثت لى، لقد جربت العزلة، لكنها لا شىء يذكر بالشتاء. بدأ شتائى بإدراكى المتواصل أنه يوجد شىء ما خطأ ، لماذا لا أستطيع التحكم فى نفسى؟ لماذا أكرر أخطائي باستمرار؟ مع أنى كتبت أكثر من مرة، " إن لم تتعلم من أخطائك، فأنت لا تتحرك فى الحياة» لماذا يتألم قلبى وعقلى؟ قد أستطيع أن أتفهم لماذا يتألم عقلى، ولكن لماذا القلب من المضحك أنى حاولت نصح نفسى قائلا لها « إياك والقلب»

كنت أشعر دائما إنى قويا للغاية، ولكن دائما وابدأ حقرت من نفسى. كررت الكثير من أحاديث العظماء كالببغاء وبعدها أدركت أنى أعظم من هؤلاء. فقدت الثقة فى نفسى فى نفس الوقت الذى تعلمت فيه أن أهم شىء فى أى علاقة هو «الثقة» وبالطبع لا يوجد أهم من الثقة فى نفسك. كنت أتعلم أشياء يومية تخالف عالمى. تعلمت أن فن الأختيار يتمحور حول التجاهل. وصلت لاستنتاجات ثورية كنت دائما أحسبها حقيرة، ولكن عندما رأيت المتخصصين يقولون بالضبط الذى فكرت فيه، بدأت أشعر أن هناك شىء خطأ.و لماذا أقارن نفسي بالآخرين؟ و لماذا بحق الجحيم أضعت كل هذا الوقت الهائل فى محاولة إقناع بعض الأشخاص أنى تغيرت للأفضل وأنى تطورت ولم أعد كسابق.

حسنا قبل أنا أسرد قصتي فى الشتاء ينبغى أن تعرف القليل عنى فى السنوات السابقة. لقد أمضيت أربعة سنوات فى اكتئاب، فقدت فيها بريق عينيى. قضيت أربع سنين فى حروب. حروب مع العالم والأصدقاء والأسرة، ولكن من بين كل الحروب حرب واحدة كادت تقضي على، حرب النفس، كنت اُستنزف كل يوم، وأكابر وأخبر نفسى أنى بخير، وأنى سأتحسن. خسرت كل معركة دخلتها وفقدت كل شيء، و أعز ما فقدت كان قلبى وعقلى. وعندما بدأت أستعيدهما، دخلا فى صراع، فاز به عقلى، فحولني إلى مسخ، فقدت قدرتي على التواصل والتعاطف والمحبة، وتعاملت كالعالم كشيء مادى للغاية، تعلمت قوانين الطبيعة من أعمق مكونات الذرة إلى أكبر أجسام الكون. بحثت فى كل غامض وطرقت أبواب معرفة مختلفة لإشباع حاجة العقل المادي الذي يريد معرفة العالم دون محاولة فهمه. وعندما استعدت أصدقائى، استعدت القليل للغاية وفقدت الكثير، وأغلب من استعدتهم كانت علاقتهم بى توصف بأنها «سامة».

كنت أريد التغير الحقيقى، ولكنى كنت مشتت و لا أعرف الطريقة. اجتمعت عدة عوامل مختلفة، جعلتني أدخل في شتاء، غير حياتى. فى أول يوم فى الشتاء، عطلت مواقع التواصل الاجتماعى حتى استطيع التحكم فى وقتى والابتعاد عن التشتت، فالشتاء يتمحور حول التركيز. حددت مشاكلى ووضعت بعض الحلول.  درست ماضى على مدار الأربع أعوام لأدرك الذي يعيقني. وعلى مدار شهر، التزمت بكتابة مذكراتي اليومية التى ساعدتنى فى فهم نفسى أكثر. بدأت عملية قراءة الكتب  بعمق ووعي. خصصت وقت للجلوس فى الطبيعة والتفكير. وجعلت مشاهدة أحاديث « TED» عادة، وخاصة تلك التى تكون فى المؤتمر العالمى. وكان من أهم الأشياء التي فعلتها هي كتابة *المبادىء* وهى الصفات التى تحدد هويتى. مثل الصدق والابتكار احترام الاختلاف ، تقبل الهزيمة ، الإيمان بالنفس والقائمة تطول. الأهم من هذا أني تغلبت على عاداتي السيئة، وازدادت ثقتى بنفسى مئات المرات. وتخلصت من علاقاتى السامة أو قللت منها. انتهت الحرب بين عقلى وقلبى بعد إدراك إنى الخاسر الوحيد وهذا ساعدنى فى توجيه طاقتى فى أشياء أخرى. حتى الموسيقى التي أستمع إليها تغيرت بقدوم الشتاء.

فى الشتاء انت تشبه متسلق الجبال الحر، وهو الشخص الذى يتسلق الجبل بيده فقط، حركة واحدة خطأ وتموت، فى اللحظة أو الثانية التى ستقرر فيها الاستسلام سينتهى شتائك. وان كنت محظوظا وسقت ونجوت فاللأسف ستأخذ بعض الوقت للتعافي لتبدأ الشتاء من جديد. ولكنه متاح لك طالما أنت مازالت تتواجد. عليك أن تعلم أن لليل الشتاء ليس هينيًا ولكن الربيع آتي لا محاله.

لقد جربت الشتاء والعزلة، العزلة لم تضف لى الكثير. أما الشتاء فعلمنى الحكمة، علمنى أن «أفهم العالم» عوضا عن معرفته فقط، علمنى الاستماع إلى النفس والثقة بها، علمنى أن احترام الذات يأتى قبل أى شىء. أرشدني إلى أهم كلمة فى الحياة وهى «الاتزان». نمت إلى أفكار جديدة هامة ومؤثرة. ساعدنى فى تحديد أصدقائى الحقيقيون.  سأظل فى الشتاء إلى أن أكمل نضجى، إلى أن أصل إلى المرحلة التى تسمح لى بالرجوع إلى العالم مجددا، ولكن هذه المرة مغسولا من أفكار الماضى الملوثة، وصراعات الماضي العقيمة وصداقات الماضى عديمة المعنى.

ابحثوا عن شتائكم يا أصدقاء و تدربوا يوميا حتى النضج. لا تتمادوا فى الشتاء، وابحثوا عن مرشدين ملهمين ولكن ليسوا عظماء. العالم مليء بالاشخاص الرائعين. اقرأو كتب ستغير حياتكم، وامضوا وقت فى اختيار الكتاب، تذكر أن فن الاختيار يتمحور بالأساس حول التجاهل، أذهبوا إلى الطبيعة، وانظروا للأشجار العظيمة، فكروا بالجذور، فكروا فى العمق، فى الجوهر، فاسطح لا يكشف الحقيقة. ابتعدوا عن الأصدقاء السامين وتقربوا من الأصدقاء الرائعين. فكروا فى أفكار جريئة. ابحثوا عن الحكمة في أبسط المواقف. شاهدوا أفكار مختلفة وجديدة. أكتبوا وأبدعوا. وأخيرا ابحثوا عن نفسكم وتصالحوا معاها، احترموا نفسكم وثقوا بها.

وبعد أن أنهى شتائى سأشاركوا بالذى سأفلعه بتلك القوة لتغير الواقع المحيط بى  للأفضل.