تتمحور فلسفة حياتي حول شيئان، يبدوا فى الشكل منفصلين لكنهما فى الجوهر متصلان: تسلق الجبال وعبور المحيط. يا ترى ما معنى هذا؟ إن تسلق الجبال وعبور المحيط هو أفضل طريقة وجدتها للتعامل مع الحياة على جميع المستويات، العقلى والنفسى والشخصى والسلوكى والروحى. إن تسلق الجبال وعبور المحيط يحتوى على دروس كفاية لجعل المرء يصل إلى أعلى مستويات النضج.
تسلق الجبال هو بداية إختبار الذات، وإذا نجحت الذات فى تسلق الجبال فحتما ستعبر المحيط. إن تسلق الجبال رحلة طويلة تحتاج إلى عوامل عدة. فى البداية ستحتاج الإيمان، فى اليوم الأول لك سوف تتدرب فقط، ولا تتوقع أن يكون اليوم الثانى أكثر إثارة، فى البداية ستحتاج لقضاء بعض الشهور فى تدريب قاسي جسديا وعقليا حتى تكون مؤهلا لتسلق الجبال. هنا يأتي العامل الثاني الالتزام، ستحتاج إلى إلتزام يومي. ولكن إلتزامك بالتدريبات ليس مقياسا حقا لقدراتك على تسلق الجبال، ما يحدد هذا هو عمق تدريباتك،كلما كانت تدريباتك أعمق، كلما كنت مؤهلا أكثر لتسلق الجبال، وهنا يأتى العامل الثالث، التركيز. هنا أنت الآن مستعد لمحاولة تسلق الجبل، لكنك ستسقط من أول محاولة. إن الأمر لا يتعلق بالإيمان والالتزام والتركيز فقط، مازال هناك عدة عوامل أخرى.
الهدوء، عليك أن تكون هادئا لأقصى درجة، على عقلك أن يكون صافيا هادئا متزنا. الصبر، عليك أن تتدرب كل يوم، وتنظر للجبل كل يوم ولكن عليك بالصبر حتى تأتى اللحظة المناسبة. الآن عليك البدء بمحاولة التسلق، فى البداية ستصل إلى نصف الجبل، وستكون فخورا بنفسك، ستنظر إلى القمة وستقول أنك قادم، لكنك سوف تسقط، وتتحطم، ستنزف وستصبح ضعيفا. يا ترى ماذا ستفعل؟ هل ستوقف الرحلة؟ هل ستخضع روحك؟ أم سأراك واقفا مجددا مع إنبلاج الضياء، وانتهاء الظلام، مستعدا لاستكمال الطريق، بادئا من نقطة الصفر مجددا.
هذا هو الاختبار الأول لروحك، ولكن ما هى الروح. الروح هي خيوط. خيوط غير مرئية تربط العقل والجسد والقلب فيما يسمى النفس. إن روحك تدل على مدى تكاملاك. لا يهم أن كنت الأقوى جسديا و لا الأذكى أو الأشجع. المهم هو تناغمك الداخلى مع ذاتك والكون حولك. فأنت جزء من العالم والعالم هو جزء منك. تسلق الجبل هو اختبار لذاتك ولكى تنجح فى الاختبار عليك أن تنضج على جميع المستويات.
حسنا، دعنا نكمل تدريباتنا ولكن هذه المرة ستحتاج إلى عوامل أخرى مثل المثابرة و الشكر. إذا أتقنت الهدوء والصبر والشكر معا فلن يوقفك إى جبل. والآن هى نعود للمحاولة مجددا، ها أنت ذا، قريبا جدا من القمة، ولكن لظروف خارجه عن إرادتك هبت عاصفة من حيث لا تتوقع، وسقط مجددا، وهذا المرة كاد يُقضى عليك جسديا ومعنويا. عليك أن تطلب المساعدة، فأنت على وشك الموت والإندثار. هذه المرة لن أستطيع أن أراك واقفا مع أصوات الفجر، ستأخذ وقت حتى تتعافى. ولكن هل ستكمل رحلتك؟ هنا ستتعلم أعظم الفضائل قاطبة، الأمل. إذا استطعت رؤية الأمل فى أسوأ لحظاتك فحتما سوف تتسلق الجبل يوما ما.
مضى بعض الوقت، والآن حان وقت العودة، لكنك لن تبدأ من نقطة الصفر مجددا، أنت الآن أكثر قوة وخبرة ونضجا، أنت تعرف الطريق للقمة وستبدأ بالتدرب عليه. حانت اللحظة للتسلق مجددا، هانت ذا مستعدا نفسيا لأى شىء. وبينما أنت تتسلق حضرك شعور قوى بأنك تحتاج إلى تغيير المسار للقمة، أستمع إلى نفسك وانتبه إلى الاشارات، ها أنت ذا تستجمع كل قوتك لتغيير المسار، مدركا أن اللحظة التى تفقد بها تركيزك، ستعانق الأرض للأبد، لكنك هادىء ومستقر إلى أقصى حد. ها أنت ذا تقترب من القمة، وهى تقترب إليك أيضا لتعانقك. ها أنت ذا الآن وصلت للقمة! إنك متعب ومجهد لكنك لست إلا فى البداية، هاهى رحتلك على وشك البدء، من القمة إلى القمة ستتحرك، ومن القمة إلى القاع ستسقط مجددا. تدرب حتى تعانق القمة قبل الغروب، تدرب حتى تكون مؤهلا لعبور المحيط.
تعليقات
إرسال تعليق