التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يوم جيد

 هناك عيب عظيم في أدمغتنا. كيف لم أكتشف هذا مبكرا؟ لقد اعتدت على أن أكرر الكثير من الكلمات دون أن استوعبها. هناك شيء آخر لا أفهمه، لماذا فى كل مرة تحب الحياة أن تعلمنى درسا هاما، تجعلنى أدفع هذا الثمن العظيم من الألم؟ ألم يكفها ما فعلته بى مسبقا؟ 


استيقظ مجددا على صوت المنبه المزعج الذي لا يتوقف إلا بعد أن يرج هاتفه لمدة عشرون ثانية. قام من على السرير متثاقلا، لم يفق كليا، لأنه لم ينم فى تلك الليلة جيدا. لكنه أصر على استكمال روتينه، ذهب إلى الحمام غسل وجهه بالماء أولا، ثم قام بتديلك وجهه بصابونه الاعتناء بالبشرة الزرقاء أو كما ستقول زميلاته «بيبى بلو» بعدها مباشرة ذهب إلى أوضة أخرى ليلبس بنطلونه الجينز، ثم رجع إلى الحمام مجددا ليشطف وجهه، ثم إلى الأوضة مرة أخرى ليلبس التشيرت وشرابه وفي النهاية يرجع إلى غرفة النوم من حيث بدأ، حيث يوجد فيها مكتبه وعليه اللابتوب الخاص به. 


فتح اللاب بتوب وقام بتشغيل أغنية صوفية يغلب عليها الطابع العثماني، تُغنّى بالناي و بأدوات موسيقية أخرى، يتخللها زقزقة العصافير، وسقوط الماء من على شلالات وفي أيام أخرى كان يشغل موسيقى كاتدرائية وموسيقى المعابد المنسية، كنت تتشابه مع الموسيقى الصوفية، كلاهما به طابع روحى منسى. أغلق جميع أنوار الغرفة وبدأ بصلاته اليومية. ابتكر هذه الصلاة الخاصة لتهدئة عقله، وتذكير نفسه بأهدافه وقيمة. استغرق كالعادة عشرون دقيقة في الصلاة. ثم قام وجلس على مكتبه لكنه قبلها كان قد انتهى من عمل تمارين الضغط، عشرة عدادات. 


فتح مذكراته، دون أولويات اليوم بالرغم من أن اليوم هو يوم إجازته. لكن أجازة من أى شىء تحديدا؟ قرر أن يقضي اليوم فى استكشاف قارة أفريقيا. جلب الخريطة من على جوجل وبدأ فى معرفة مكان كل دولة واسمها. ثم جلب ورقة وقلم وحاول أن يرسم القارة. غريبة هى أفريقيا.جذب انتباهه دولة تسمى ليسوتو، والتى تقع بالكامل داخل دولة جنوب أفريقيا. أعجبته جغرافية موزمبيق. وخمن أن جزر ساو تومي وبرينسيب لا بد أن تكون جميلة. 


بدأ الليل يخيم. عندها قرر أن يذهب إلى النقابة، كان هناك حفل غنائى وبهلواني فيها. ارتدى ملابسه وقبل أن يخرج نظر فى المرآة وابتسم، كان يعرف أن عليه أن يحلق شعره. ولكنه كان يكره اليوم الذي يحلق فيه شعره، وكان هذا اليوم جيدا، فلا حاجة لجعله سىء. وصل إلى الكوبرى الذى يفصله عن النقابة، كان هذا الكوبرى يسمى كوبرى القطار. وكان كلما مر من عليه سلم على أحد الصيادين الذين يجلسون هناك دائما. هو لا يعرفه أبدا، لكنه يروق له هذا الرجل لأنه أثار فى عقله سؤال، ما الذي يدفع هذا الرجل على المحافظة على تلك العادة؟ لماذا يأتى ويصطاد من أعلى الكوبرى؟ لم يفهم الإجابة ولكنه سوف يستوعبها تماما عندما يحين الوقت. 


ترك الرجل ومضى على الكوبرى، كان يرى الحفلة من أعلى الكوبرى. فالنقابة مطلة على النيل ومجاورة للكوبرى. عندما أنتهى منه وجد عربة الشرطة لم يمضى خطوتين إلا وفهم لماذا هى هنا، فعند عبور الممر يظهر لك أشخاص غريبة غير مريحين ويبعثون القلق فى النفس. تجاوزهم ودخل النقابة. كانت فترة الاستعراضات السحرية قد بدأت. الاستدج صغير يقف عليه اثنين من مقدمي العروض أمامهم يصطف الجمهور فى صفوف. جذب كرسي وجلس فى النهاية بحيث لا يلاحظه أحد. 


لكن مؤدى العرض أراد متطوع. كان يعرف أنه سوف يجذب الانتباه بسبب شعره. فجأة دعاه المقدم ليشارك فى الخدعة الأخيرة. كان يعرف أنه مهما كان ذكيا، فلا سبيل للفوز أمام العارض. تظاهر بأنه لم يسمع وأخذ ينظر يمينا ويسارا وكأنه يبحث عن الشخص المطلوب. حينها فهم مؤدى العرض أن الفتى ذو الشعر لا يريد أن يُخدع ولربما ظن أنه شخص خطير. بعدها قررت فتاة التطوع، مدعية أنها تستطيع هزيمة العارض. مسكينة، لم تقرأ مقولة نيلسون مانديلا « Never let the enemy choose the battlefield»


انتهى العرض، وانفضت الجماهير. اشتري قهوه وجلس على ترابيزة أمام النيل. كان صافيا هادئا متزنا. جلس وحيدا، لكنه لم يشعر بالوحدة لقد شعر بالاكتمال. بأن لا شيء ناقص. لقد هدأت العاصفة التي قد اندلعت فيه منذ شهور. بالرغم من صفائه هذا واستمتاعه بالحاضر، إلا أنه كان مازال غاضب. ولكن الغضب انزوى فى ثنايا عقله وجسده ولم يعد ظاهرا أو محسوسا. لن يظهر الآن. سوف يفاجئه في يوما غير متوقع.  













تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

The Forest

Lately, I've been going through new experiences. Yesterday I was in the woods, the forest for the first time in my life. I had one particular idea that kept resonating in my mind. Murakami, what was the name of your novel? But I had a stronger feeling. I was honestly frightened. To me, the forest is a living organism. If it likes me, it welcomes me; if not, it can swallow me whole. Which novel Haruki When I entered, I used the main road. But something inside me whispered, 'Do not be afraid, you will not be swallowed today.' I stepped off the main road to use a narrower, wilder path. The road ahead is a steep, sloppy incline, winding through towering trees. The ground is blanketed with countless fallen leaves, concealing the uneven terrain beneath my feet. Each step is uncertain. I stop and look back, realizing it’s just me and the trees. They watch me as I watch them, and for a moment, we share a quiet appreciation. When I look at them, I don’t see mere wood and branches. I...

چيِنْ

عزيزتي  چيِنْ ،   كيف   حالك   مؤخرا؟   غريبة   هي   الحياة   في   تقلباتها .  كنا   البارحة   نجلس   ونضحك   والآن   فرقتنا   المسافات   مجددا .  صحيح،   هل  مازلتي   تحتفظين   بعلم   دولة   نيبال   الذي   أهديته   لك   في   عيد   ميلادك؟   لم   أسمع   منكِ   منذ   سنوات،   لكنك   دائما   في   خاطري .  لماذا   لم   أسأل   عليك؟ لأني   أعرف   مدي   صلابتك   أيها   الصديق   القديم .  كنت   ولازالت   معجبا   بقدرتك   علي   ممارسة   الحياة .  لكن   هناك   شيء   أود   أن   أحدثك   عنه .    في   أخر مرة   تقابلنا   حدثتني   عن   اللعنات .  قلت   لي   ذات   مرة   أنك   تشعرين   بأن   هناك   لعنة   تط...

الصيف يذهب بعيدًا

  قريب سوف يأتى الشتاء، وسيغطى الثلج كل شىء. ستصبح المدنية واحة بيضاء شبحية. لكن قبل أن يأتى لنتحدث عن البارحة. البارحة كانت لليلة رائعة، لأنى قابلت أناس رائعين. الخريف يزحف، ببطىء تتلون أوراق الأشجار بالأصفر. وعقلى تلون البارحة بالألوان. أنا أحب الأفكار وأنجذب للأشخاص الذين يستطيعون المجادلة وطرح الأفكار. جميلة هى ألمانيا، ورائعة هى روح الألمان.