التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شخص مميز وتجربة هامة


كانا يجلسان على مقعد أبيض صغير يفصله عن زميلته شنطته السوداء. كان المقعد بالكامل تحت أشجار حجبت أشعة شمس الصيف وأضاف الظل بريقًا هادئًا على المكان. غادر معظم طلاب الجامعة وظلا هما يجلسان ليناقشا في أمور حياتهم. كان المنظر أمامه هو حديقة جامعته، المشهورة بشجرة عملاقة تتوسط الحديقة أصبحت أوراقها خضراء مجددا. كان يجلس في أفضل مكان -حسبما يعتقد- أمام استراحة كلية الحقوق. لطالما أحب هذا المكان، ونادرا ما وجده فارغا. كان دائمًا يجد شباب أو شباب مع فتيات يجلسون هنا للاستمتاع بوقتهم أو مجرد قتله بدون سبب.

أزال الكمامة من على وجهه، وتفاجئ بسؤال زميلته التى كانت تنظر إلى الحديقة ثم نظرت إليه. لكنك لم تخبرنى هل فعلا أحببتها؟

أخذ نفسا عميقا، حدق فى السماء وقال وهو ينظر للحديقة

-أعتقد هذا، أعتقد أني أحببتها. جزء منى وغالبا هو غرورى سوف يريد أن يقول لك أنه لم يكن حبا حقيقًا. لكن هذا غير صحيح. لقد أحببتها بعقلي أولا، وعندما تخلى عنها عقلى بعد رفضها. لم يستطع قلبى أن يتخلى عنها بسهولة. لقد هزمت غرورى، حتى اعترفت لنفسي إنى أُحبها. لكني لم أخبرها أبدا بهذا


سألته مجددا بصوت رقيق فيه شيء من العتاب

ولماذا لم تخبرها؟

-وودت هذا كثيرا، ولن تصدقى عدد المرات التي كنت على وشك مصارحتها بهذا. لكني دائما أتراجع في آخر لحظة. كلما فكرت فى أن أخبرها أشعر بأنى سوف أفقد جزء كبير من شخصيتى.. أو لربما كان هذا جزء من شخصيتى.. بالمناسبة.. لقد ذكرتيني. فى أحد الأيام كان لدى امتحان هام صباحا، كنت اذاكر له منذ شهرين متواصلين. إنه الايلتس، كان فى الأسكندرية لهذا حجزت فندق على البحر ليلة الامتحان. انتهيت من التحضير للامتحان، وحاولت النوم فى غرفة الفندق، لكني لم استطع. كنت أشعر بوحدة لا مثيل لها. كنت فى غرفة بسريرين، وكانت باردة مهما لبست من ملابس ومهما وضعت من بَطاطِين. أخذت أفكر فيها ولم أستطع أن أتحكم فى عقلى وشعرت بألم عظيم يعتصر قلبى. فى منتصف الليل مسكت هاتفي وقررت أن أرسل رسالة لها، لأخبرها أنني أحبها. وإن علينا أن نتحدث. لكن شيء ما بداخلي أوقفنى فى آخر لحظة. واضطريت أن أعمل لها بلوك من على «تليجرام» حتى لا أرسل لها رسالة. ذهبت إلى الامتحان بدون نوم.. الشيء المضحك إنى ذكرت اسمها في الامتحان. سألنى الممتحن فى سكشن التحدث عن أنواع الأشجار التى أحبها، قلت له أنى أحب زهرة معينة، لأنها تذكرني باسم أكثر إنسان أحبه فى الدنيا. كان لاوعي يتحدث. حدث هذا بصورة تلقائية بدون ثانية تفكير.

ظلت زميلته تنظر إليه وتستمع إليه ولم تنطق بحرف، لكنه واصل الحديث

-وأظن أيضا إنى لو أخبرتها بأنى أحبها وتجاهلت هى هذا. كان سوف يخلق لدى فجوة أكبر بكثير من السابقة، أنا أحترم نفسى كثيرا، كما احترم رغبات الشخص الذى أمامى. لهذا لا يمكنني أنا أفعل هذا بنفسي، خصوصا وأنا لما أتعافى من الجرح السابق بسهولة.. لقد عشت شهورا كاملة فى مرحلة اضطراب ليس لها مثيل. ضحك وقال، وأيضا أنا أكرهه فكرة أن الفتى هو من يجب دائما أن يبادر.. أنا لا أحب التطور فى هذه النقطة.. فأنا لا أبحث عن واحدة جميلة يمكننى التفاخر بأنى أوعداها..بالتأكيد هى فعلا جميلة.. هى جميلة للغاية لا جدال، من أجمل ما رأيت.. هي أجمل من رأيت.. هى أجمل منى كثيرا، لهذا هى من تملك حق بدء علاقة أو إنهائها..هكذا تعمل الأمور وهذا مزعج، لكنه الواقع وأنا أتقبله على مضض. وايضا أكره فكرة أنى غير مناسب لها.. ما يزعجني حقا أنها لم تعطينى فرصة حقيقية.. أعلم أننا تعاملنا مع بعض فى بعض المواقف، لكني تعرفت عليها فى مرحلة غريبة من حياتى، كنت فى مرحلة تغير مستمرة. كنت قد خرجت لتوي من اكتئاب، من مرحلة شديدة السواد فى حياتى. كنت ملئ بالتناقضات، ولم تأخذ شخصيتى شكلا محددا، كنت فى مرحلة بناء وتغيير. أعترف أنى كنت أحمق فى كثير من الأحيان، لكني كنت أحاول أن أكون أفضل، أحاول جاهدا، بأقصى ما استطعت.. وأرى أنها لم تقدر هذا.. وهذا شيء أحمله عليها. وأحمل عليها أيضا، أنها كان يجب أن تفسر لماذا رفضت عندما أخبرتها أنى معجب بها.. كانت يجب أن تعطى سببا بسيطا على الأقل.. هل هي في علاقة، فاحترم هذا؟ هل هي غاضبة مني لاني جرحتها فى يوم من الأيام..

صحيح لم أخبرك، هل تتذكري رحلة الأسكندرية إلى برج العرب؟.. اها.. صحيح. انت لم تأتي. عموما حدث شىء مازلت أجده لغزا. فى تلك الرحلة كنت أتحدث دائما إلى زميله لنا، جاءت من أمريكا بعد دراسة ترم هناك. صاحبتها طوال الرحلة. وفي المساء جلست بجانبها على شاطئ اسكندرية ننظر إلى البحر ونتشارك الخبرات بينما تتساقط قطرات المطر (كان الأمر يبدو رومانسيا)..لكن أنت تعرفيني أنا مهووس بالسفر وتجارب الآخرين لهذا كنت ألازمها طوال اليوم. وبينما أجلس مع تلك الفتاة القادمة من أمريكا، وجدت (من أنا معجب بها) تنظر إلي كما لم تنظر إلى من قبل، كانت عينيها ثابتة وفيها رسالة. ثم بكت، واخذت الدموع تنهمر من عينيها، حتى جاءت أحد صديقاتها وأخذتها.. أعتقد أنها حزنت منى هذا اليوم.. بل أقول لك أنه قد أكون جرحتها وأنا غير متعمد تماما.. فأنا كنت معجب بها لكني تجاهلتها تماما فى هذه الرحلة. بالرغم من أن علاقتنا تحسنت بعد ذلك، إلا أنى أخمن أنها لم تنس هذا الجرح أبدًا.. فى نفس اليوم وبينما نحن فى طريق العودة إلى المنصورة.. كان كرسيها خلفى. نظرت إليها.. وليتني لم أنظر. كانت عينيها تشع وسط الظلام، هذا ليس كلاما بلاغيا.. هذه منظر حقيقى. كانت عيونها تشع بإصرار وجمود لم أرى مثله. من الممكن أنها اتخذت قرار حاسم لا رجعة فيه.. أخمن هذا..


توقف ثم استكمل

-هى جميلة وذكية وتجعلنى سعيدا بلا شك، أسعد لحظة لى فى الكلية كانت عندما أقف وأتحدث معها. لكني ابحث عن شخص يحبني كما أحبه، شخص أريد أن أبني حياتي الطموحة معه. وأن لم تريد أن تكن هذا الشخص فى حياتى فأنا احترم رغبتها. أنا لا يمكنني فرض نفسي على أحد. إنها قد تكون معجبة بى كشخص فى الحياة، ولكن ليس كشخص يمكن عقد علاقة معه، أنا أتفهم هذا. واحترم هذا.

وأيضا أنا كنت غاضب منها. لأنه منذ آخر مرة تحدثنا، لم ترسل لى رسالة واحدة. بالطبع كنت أتمنى أن نظل زملاء عاديين. كنت أتمنى أن ترسل رسالة واحدة فقط، حتى أجد طريقة عقلانية للتعامل مع الألم بعد آخر محادثة بيننا.. لكنها تجاهلت هذا. وهذا أمرا جعلني أغضب منها كثيرا. أنا شخصيا كلما أردت أن أخبر فتاة تود عقد علاقة معى، أننا غير متناسبين، أو أنى لست مستعدا الآن. كنت أحرص كل الحرص على التحدث إليها من حين إلى آخر، وأتابع معها مستجدات حياتها.. واجعلها تشعر أنها من تركتنى.. وأنى لست مناسب لها.. لأن من مبادئي في الحياة.. أن لا أهين أحد.. وأنا لا أجرح أحد هكذا. علمتنى التجربة، أننا لا ننسى من جرحنا، من سبب لنا ألم كبير.

والآن ما هي مشاعرك نحوها؟ قالتها زميلته وهى تنظر إليه وكان قد تسلل شعاع من الشمس من بين أوراق الأشجار فسقط على عينيها و جعلها تلمع، ويتحول لون عينيها إلى اللون العسلي المضيء

قال:- أعتقد أنى مازلت أحبها.. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها.. لكني تقبلت حقيقة أننا لن نكون معا مجددا على الأقل قريبا ولربما للأبد. تقبلت تلك الحقيقة بنسبة مائة بالمائة، فلم يعد لدى رغبة فى فى محاولة إقناعها إننا قد نكون أشخاصا مناسبين لبعض، إذا أخذنا الوقت الكافي للتعرف على بعض بصورة أعمق. ربما بى بعض العيوب، أنا أقر بهذا، لكني لطالما آمنت بأن أى إنسان له القدرة على التغيير، وهي ليست مثالية كما تعرفين. وأنا تقبلتها بعيوبها عند اعترفت لها أنى معجب بها. لكني لاشك مازالت أحبها، ضحك مجددا واستكمل حديثه. كلما أجد فتاة لها نفس هيئتها يخفق قلبى و أراقبها من بعيد. و فى أحد المرات وجدت فتاة تشبهها ففرحت وظننت أنها هى، ولكن بعدها وقفت هذه الفتاة مع فتى آخر، فحاولت التأكد من أنها ليست هى. لم تكن هى بالفعل، لكني حزنت لبعض الوقت جراء هذا الموقف.


لقد فقدت شىء فى نفسى بفقدانها. لكن أعتقد أن تجربتى معها كانت مهمة للغاية. كان يجب أن أمر بهذا، وأن أتعامل مع تلك الأمور العاطفية التى أتجاهلها دائما على حساب العمل الذي أحاول من خلاله أن أبنى قيمتى. كانت تلك فرصة للنمو والنضج العاطفي. وهذا الجانب الجيد. صحيح، لقد كتبت رسالة لها فى عيد ميلادها الفائت، أشكرها أنها جعلت قلبى يعرف الحب مجددا، وتمنيت لك كل التوفيق فى حياتها. وبالطبع لم أرسل لها الرسالة. لكنها مازالت موجودة فى مذكراتى.


أنتهى من الحديث وقال لها: دعكِ مني الآن، ما هي آخر التطورات فى أخر أمر يخصك تكلمنا حوله. بدأت زميلته بالحديث، واستمر الحديث حتى مغيب الشمس، كان عليهما أن يغادرا، فلقد انتهى وقت تواجد الطلاب داخل الجامعة، ذهب لإحضار دراجته، واستكمالا الحديث فى طريقهما للخروج من البوابة.






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اليابان تغرق أيها الجنرال

   هناك الكثير من الأفكار العشوائية الآن في عقلي. الجيش الأمريكي، ورئيس بوركينا فاسو، ارتداد كرات البلياردو. لقد انتهيت اليوم من أول أربعة امتحانات، وأيضاً مقابلة لوظيفة في الجامعة. لقد شعرت البارحة بسعادة غامرة. الحياة أخيراً تبتسم لي؟ كم مرة؟ ما عدد السنوات التي ظلت الأبواب مغلقة في وجهي؟ خيبات الأمل كثيرة لكنها لم تكن أبداً قادرة على كسر إرادتي. لقد تعودت على بذل مجهود بدون مقابل ولكن هذا تغير الآن. كل ما أفعله الآن له مقابل. مؤخراً أشعر بالجنون، أي أنني أترك الأفكار تخرج من عقلي دون تفكير، أنا لا ألبس قناعاً لأي شخص الآن، إذا لم يعجبك تفكيري المجنون، تجنبني أرجوك، هذه هي رسالتي للعالم. أمر بفترة فقر روحي، أعلم هذا وألاحظه ولا أريد أن أعدله، لا أريد أن أنمو روحياً الآن، لا أريد أن أكتسب الحكمة وأذهب إلى الغابة. هناك بعض الأشياء المادية التي أريدها من العالم الآن وأنا أسعى نحوها بوعي. أفتقد أصدقائي، أفتقد قهوة السماحي وليالي الشتاء الدافئة، أفتقد الأفكار الإبداعية التي كنا نبتكرها لنضحك. أفتقد سائقي الميكروباص جديلة الترعة المتهورين، وأضواء الميكروباص الليلية. أفتقد تلك اللح...

عودة الأخ الأصغر

 لقد تغير العالم كثيرًا بقدوم الأخ الأصغر . كانت البشرية قد عانت بالفعل من الكثير مؤخرًا، وكان البشر فى أشد اشتياق للْمُخَلِّص. مع انتهاء الحرب فقَدَ البشر الإيمان بالكثير من المعتقدات البشرية سواء بأراداتهم الخالصة أو أجبروا، تصاعد الأمر لأن فقد أكثرية من البشر الإيمان فى البشرية ككل حتى أنهم أخيرا أدركوا الأولويات الحقيقة بعد سلسلة من المصائب كادت تمحى وجودهم الخافت. لم يعد البقاء وحده هو الأولوية  الأهم، البقاء بجانب الأمان والتطلع للحرية هذا ما يريدوه من الآن وإلى الأبد علمتهم الحرب أن البقاء ليس كافيا، ما الذى يُفرق بين الإنسان والحيوان اذن؟ البقاء فى أمان واستقرار مع التطلع إلى الحرية هذا ما رأيتهم عقولهم فور إنتهاء الحرب  ولكن البقاء والأمان مترابطان مع القوة. أما عن الحرية فكانت ضبابية عليهم، لكنهم أرادوها بشدة، كغريق ينظر إلى رمال الشاطئ. كتائه فى الصحراء رأى جزيرة بعد دهور من غير مياه. وُلد شعورا عالميا بوجوب وجود الحرية  كأحد المتطلبات الأساسية للبشر. وبالطبع أدركوا سريعا أن القوة والحرية متعارضان. الحرية تخلق القوة أو تبددها، بينما تقمع القوة ال...

چيِنْ

عزيزتي  چيِنْ ،   كيف   حالك   مؤخرا؟   غريبة   هي   الحياة   في   تقلباتها .  كنا   البارحة   نجلس   ونضحك   والآن   فرقتنا   المسافات   مجددا .  صحيح،   هل  مازلتي   تحتفظين   بعلم   دولة   نيبال   الذي   أهديته   لك   في   عيد   ميلادك؟   لم   أسمع   منكِ   منذ   سنوات،   لكنك   دائما   في   خاطري .  لماذا   لم   أسأل   عليك؟ لأني   أعرف   مدي   صلابتك   أيها   الصديق   القديم .  كنت   ولازالت   معجبا   بقدرتك   علي   ممارسة   الحياة .  لكن   هناك   شيء   أود   أن   أحدثك   عنه .    في   أخر مرة   تقابلنا   حدثتني   عن   اللعنات .  قلت   لي   ذات   مرة   أنك   تشعرين   بأن   هناك   لعنة   تط...