التخطي إلى المحتوى الرئيسي

5 cm


هو موضوع كتاب أو قصة صغيرة سوف أكتبها. تُلخص وتنقل للجمهور رحلتى فى الجيش. اختيار الاسم جاء نتيجة أنه يفصلنى عن الاعفاء من أداء الخدمة العسكرية 5 سم. إذا كنت أقصر 5 سم فقط، كان من الممكن أن تتغير حياتى.

عندما وصلت إلى منطقة التجنيد لأول مرة قبل الساعة السادسة صباحا، وجدتها تقبع بجانب مصنع إعادة تدوير المخلفات الصلبة. ابتسمت وكتمت ضحكة فى نفسى. لم أعد استغرب من سخرية القدر. بعد الانتهاء من أخذ كتاب الجندى الذى يبلغ سعرة 12 جينة ونص، ولا يمكنك دفع 13 أو 12. عليك دفع المبلغ كما هو. ذهبنا إلى قاعة لتسليم أوراقنا لبدء الكشف الطبى. عندما دخلت القاعة وجدت رجل كبير فى السن ممسكًا المايك (الحديدة) ويتحدث. لم أسمع نصف ما قاله. كنت قد رجعت البارحة من شرم الشيخ، وأعتقد أن تجربة الغطس تحت الماء أثرت على سمعى. فليشهد الله أنى حاولت أن أفهم ما يقول لمدة ساعة كاملة، لكني لم أفهم شىء. كان يزعق ويتحدث فى مواضيع فرعية. ولا يملك القدرة على تنظيم الأعداد الغفيرة التى بدأت بالتراكم فى القاعة. يبدو أنه لم يكن ضابطا، وإنما متطوعا فى الجيش منذ أكثر من 30 سنة مثلا. بدأت الأمور تخرج عن السيطرة إلى أن مر قائد منطقة التجنيد. عندما دخل القاعة زعق الرجل الذى يمسك الحديدة: سيادة المشير جه، امنع الصوت. فجأة حل صمت رهيب. صمت يمكنك من خلاله سماع سقوط دبوس على الأرض وسط قاعة فيها أكثر من 300 شخص. الشىء الذى كنت أفكر فيه، كيف لمشير أن يكون قائد لمنطفة التجنيد؟ هناك فجوة منطقية كبيرة. هذا مستحيل. المشير هو شخص شارك فى ثلاثة حروب و…


قطع قائد التجنيد حبل أفكارى عندما امسك الحديدة وقال بصوت لطيف: أنه المقدم محمود.. وأنه يريد مساعدتنا حتى ننتهى من الكشف الطبى فى أسرع وقت. كان يلبس ملابس مدنية، تشيرت اسود مخطط سادة. اطمئننت لوجودة.


استمر الشخص الكبير ممسكا بالحديدة، حتى جاء شخصا آخر فى ملابس مدنية وصوت جهورى وامسك الحديدة ولخص ما كان يحاول الرجل الكبير قوله. فهمت أخيرا المطلوب. بعد أن نقدم الورق. سوف نأخذه مرة أخرى ثم سوف نذهب لقياس طولنا وأخذ صورة بـ (الأفرول)، القميص العسكرى، ثم سوف نقوم بعمل بصمة ثم ندخل إلى الكشف الطبى.


جلسنا ننتظر دورنا وقبل البدء، مر متطوع آخر صغير فى السن، ليقول لنا شىء عن التوجيه الأمنى. بختصار اذا كنت ارهابيا أو تنتمى لجماعة الأخوان المسلمين أو شاذ جنسيا أو لك أحد الأقرباء حتى الدرجة الثالثة قد سبق ودخل أمن الدولة أو سافر إلى أحد الدول المحظورة ( قطر- إيران- تركيا- باكستان- إفغناستان) عليك التوجه إلى المكتب الأمنى. أولئك قد يمكنهم الحصول على اعفاء استثنائية. كنت قد فكرت بالذهاب إلى هذا المكتب للحظة، لأن أختى قد سبق لها وذهبت إلى أمن الدولة أثناء تعينها معيدة. ولكنى كنت أعرف ماذا يريدون تحديدا فتجاهلت الأمر.


عندما جاء اسمى، بدأت بالعملية. ذهبت للبس الأفرول، لم يكن هناك واحد سليم، جميعهم بهم عيوب. معظمهم بدون زراير ولا يمكن قفلهم ويوجد فيها ثقوب كثيرة كبيرة. دعك من الرائحة. كانوا قد حذرونا أن نأخذ صورة جيدة، لأن تلك الصورة سوف تبقى معنا لأبد الأبدين. عندما سألت العسكرى الذى يصور عن أنه لا يوجد زراير لقفل هذا القميص، قال لى لا يهم. بطريقة ما أخذت صورة وهو مقفول. وعندما انتهيت من الصورة وقفت على الميزان (بالكوتشى) واتضح إن طولى 161 سم. ثم ذهبت إلى البصمة ومن بعدها دخلت إلى الكشف الطبى. فى البداية تسلمنا ورقة لنكتب فيها الشكاوى الطبية. كتبت أنى أعانى من قولون عصبى وأعراض الإنسحاب من اكتئاب. كنت أجلس بين شخصيين، كانا الأثنين يحدقان بورقتى وأغضبنى هذا. أتضح أنهم يريدون أن يفهموا ما الذى يجب فعله. أوضحت لهم. الأمر الغريب أن الورقة التى تسلمناها تحتوى على مربع مُبروز بخط سميك بعنوان الشكاوى الطبيبة، وظل عدد كبير يسأل أين يكتب شكوته، وهناك من لم يكتبها فى المربع وكتبها فى مكان آخر..


حتى الآن التجربة الأهم وهى الكشف الطبى. وهى موضوع يجب أن لا نتحدث فيه، ويجب أن لا يكون مجالا للحديث، ما يحدث معك هناك يبقى هناك. لكني لاحظت شىء أثناء الكشف، أن الشباب المصرى معظمه يعانى من سوء تغذية. لقد رأيت العشرات من الشباب عراه لا يلبسون إلا شىء يستر عورتهم. كانت أجسامهم متفاوته فى الأحجام بطريقة غير منتظمة. ولاحظت أيضا، أن لكل شخص جسد مميز للغاية، فـ لا يوجد للشخصين نفس تضاريس الصدر.


يوجد فى اختبار اللياقة الطبيبة ثلاثة علامات. (لائق) و (لائق ب) و(لائق ج). عندما دخلت طرقة الكشف وهى طرقة طويلة تمتد لأكثر من 30 متر. طلب مننا أن نخلع ملابسنا، ثم مر علينا طبيب (عسكرى أو ضابط يقدم خدمته العسكرية مثلنا) وسألنا هل تعانى من مشاكل ثم إذا وجدك تعانى من مشكلة يقوم بعمل علامة دائرة أمام العيادة التى يجب أن تذهب إليها. فـ مثلا نظرًا لقامتى حولنى إلى عيادة العظام، وبسبب لنظرى حولنى إلى عيادة الرمد، وعندما اشتكيت بأنى أعانى القولون العصبى حولنى إلى الباطنة. بعدها يمر طبيب آخر ويقول لك جز على أسنانك (لأن عدم تطابق الفكين يعطى اعفاء). تَسّلمنا حوالى 6 أطباء مختلفين.



أول عيادة دخلتها كانت الجراحة، وفيها يتأكد الطبيب أن المجنديين ليس لديهم مشكلة فى الجسم عامة والأعضاء التناسلية خاصة.. بالنظر وليس اللمس..


بعدها ذهبت إلى طبيب العظام قال لى ما مشكلتك، فقولت له ليس لدى مشكلة. فأعطانى لائق. وطبيب الباطنة أعطنى لائق. وطبيب الرمد لم يكن موجودا لذا على أن أتى فى يوم آخر حتى أكشف معه، ولكنك يمكنك تخمين ماذا أعطانى. وبعد أن لبست ملابسى وهممت بالخروج، قررت أن أرجع لأسال العسكرى أو الضابط الذى شخصنى بمشكلة فى العظام، وسألته لماذ أرسلتنى لعيادة العظام بعد أن لاحظت أنه كتب بجانب خانة العظام (حوالى 160). قال لى أرجع إلى الطبيب مرة أخرى. عندما رجعت وشاورت للطبيب على 160. حاول قياس طولى مجددا بالنظر بعد أنا وقفت ملاصقا للحائط، ثم قام من مقعده وأرجع رأسى للوراء. وعاد وسئل لعسكرى الطبيب ( هو من 155 إلى 160 لائق ج مش كده؟) ثم كتب فى ورقتى شىء. عندما سألته دى اعفاء قال لى «معرفش». لم أكن أعرف الفرق بين لائق أ و ب و ج حتى الآن.


وعندما اكتشفت الفرق بينهم كنت سعيدا للغاية. أحسست أن تجربتى العسكرية سوف تكون مميزه. فلائق (أ) سوف يدخل أسلحة ثقيلة مثل المدفعية، المشاه، مدرعات، صاعقة. بينما لائق (ب) يخدم فى أشياء إدارية. ولائق (ج) من المفترض أن يخدم فى سلاح إدارى سهل للغاية، شىء لا يتطلب مجهود. عندما أقول لأحد العساكر الذين فى الخدمة أنى لائق ج، يقولون لى أن سلاحى سوف يكون داخلية. ولكنى أتعشم فى أن يتم أخذى فى الخدمات الطبيبة حتى لا أبتعد تمامًا عن مجالى.



ذهبت يوم آخر للكشف في عيادة الرمد، وصلت مبكرا وعندما وجدت المقدم رئيس منطقة التجنيد بتشيرته الأسود المعتاد، توجهت نحوه وقلت له أنى لائق ج، قال لى: لائق أ، ب ، ج، هـ، هتخش الجيش يعنى هتخش الجيش. كان يتكلم بينما أنا أضحك بصوت عالى. محادثة إنسانية ودية من طرف واحد.

ذهبت إلى العيادة، ووضعوا فى عينى قطرات من قطرة جعلتنى غير قادر على الرؤية لمدة يومين. وأخذت لائق مجددا فى الرمد. ذهبت بعدها لأرتدى ملابسى قبل أن أذهب للمعمل لعمل التحاليل الطبيبة. كنت قد نسيت كمامتى فى غرفه الرمد، وعندما حاولت العودة لأخذها، قال لى العسكرى الطبيب أنت عامل قلق، هاتلك واحدة من برة. انتهيت من التحاليل الطبية، اخذ نقطة دم منى. ورمى ال Kit بين مئات ال kits. إنه إجراء روتينى. كل العينات متداخلة. لا فائدة من التحليل، فقط هدر لموارد الدولة.

هكذا قمت بالانتهاء من الكشف الطبى، وقام آخر عسكرى فى السلسلة بختم لائق ج على ورقى. المثير فى الاهتمام أنه لو كنت قد كتبت مثلا كلمة (غير) أمام كلمة (لائق) التى كتبها طبيب الباطنة، كنت سوف أخذ اعفاء من الجيش. لكني لم أفعل. هذا النظام مبنى على الخوف. شىء قريب من معسكرات التجميع (conc camps) التى حاول فيها الألمان القضاء على اليهود، لكن بطريقة أشيك تلك المرة.


كنت متأكد أنى سوف أكون عسكرى ولن أكون ضابط احتياط بسبب طولى. تسلمت ورقة تسمى ال 110 وهى مكتوب فيها ما اذا كنت عسكرى أو تم ترشيحى لضابط احتياط. وتأكدت أنى عسكرى لائق ج.

هناك يوم يسمى يوم الارجاء لم أذهبه. فى هذا اليوم يعرف ضابط الاحتياط ما اذا كان قد نزل لعسكرى أو استمر كضابط.

والمرحلة القادمة من تجنيدى هى تسميع السلاح ثم الترحيل. فيها سوف أعرف أى سلاح سوف أخدم فيها. ثم سوف أسلم نفسى وأترحل لمركز تدريبى.


أنا متفائل بالتجربة العسكرية، وسوف أبحث عن المعنى فيها. حتى الآن أنا مشاعرى محايدة عليها مع القليل من الحزن مؤخرا، لأنى لم استطع التقدم فى وظيفة تناسبنى للغاية بسبب الجيش. أتمنى أن تكون فترة نمو وليس انتكاس.



عندما انتهيت من أول يوم فى الكشف الطبى على حوالى الساعة 9 ونصف، ذهبت إلى المنزل ثم هرولت إلى القاهرة لأحضر أحد المعارض المهمة فى مجالى. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

The Forest

Lately, I've been going through new experiences. Yesterday I was in the woods, the forest for the first time in my life. I had one particular idea that kept resonating in my mind. Murakami, what was the name of your novel? But I had a stronger feeling. I was honestly frightened. To me, the forest is a living organism. If it likes me, it welcomes me; if not, it can swallow me whole. Which novel Haruki When I entered, I used the main road. But something inside me whispered, 'Do not be afraid, you will not be swallowed today.' I stepped off the main road to use a narrower, wilder path. The road ahead is a steep, sloppy incline, winding through towering trees. The ground is blanketed with countless fallen leaves, concealing the uneven terrain beneath my feet. Each step is uncertain. I stop and look back, realizing it’s just me and the trees. They watch me as I watch them, and for a moment, we share a quiet appreciation. When I look at them, I don’t see mere wood and branches. I...

چيِنْ

عزيزتي  چيِنْ ،   كيف   حالك   مؤخرا؟   غريبة   هي   الحياة   في   تقلباتها .  كنا   البارحة   نجلس   ونضحك   والآن   فرقتنا   المسافات   مجددا .  صحيح،   هل  مازلتي   تحتفظين   بعلم   دولة   نيبال   الذي   أهديته   لك   في   عيد   ميلادك؟   لم   أسمع   منكِ   منذ   سنوات،   لكنك   دائما   في   خاطري .  لماذا   لم   أسأل   عليك؟ لأني   أعرف   مدي   صلابتك   أيها   الصديق   القديم .  كنت   ولازالت   معجبا   بقدرتك   علي   ممارسة   الحياة .  لكن   هناك   شيء   أود   أن   أحدثك   عنه .    في   أخر مرة   تقابلنا   حدثتني   عن   اللعنات .  قلت   لي   ذات   مرة   أنك   تشعرين   بأن   هناك   لعنة   تط...

الصيف يذهب بعيدًا

  قريب سوف يأتى الشتاء، وسيغطى الثلج كل شىء. ستصبح المدنية واحة بيضاء شبحية. لكن قبل أن يأتى لنتحدث عن البارحة. البارحة كانت لليلة رائعة، لأنى قابلت أناس رائعين. الخريف يزحف، ببطىء تتلون أوراق الأشجار بالأصفر. وعقلى تلون البارحة بالألوان. أنا أحب الأفكار وأنجذب للأشخاص الذين يستطيعون المجادلة وطرح الأفكار. جميلة هى ألمانيا، ورائعة هى روح الألمان.