انتهى مركز التدريب، كنت فى دهشور منطقة عسكرية مشهورة بالعدائية، حيث لا يوجد العنصر الأساسي للحياة وهو المياه. مضيت حوالى أربعين يوما فى معسكرات مختلفة (دهشور حوالى 35 يوم- معسكر الجلاء 4 ايام- معسكر أبوصوير يوما واحدا). تعلمت الكثير. كانت للتجربة الكثير من الإيجابيات، هدأ عقلى بصورة كبيرة جدا، لأن الجيش يضع العبء على الجسد بدلا من العقل. فى مرات كثيرة كنت استيقظ على شد عضلى شديد أو ألم فى الكعب. وأيضا توقف النشاط الجنسي لدى ولكل المجندين. وأوضحت لزملائي أن هناك ثلاث عوامل رئيسية لهذا. أولا الحالة النفسية السيئة التى كنا نعانى منها، ثانيا قلة وأنواع الطعام التي نأكلها، ثالثا عدم وجود أى وقت لمثل هذا النشاط.
أول سبعة أيام كانوا الأصعب لأنى كنت أفكر فى الماضى. لكني قررت أنى لن أنظر للخلف مجددا. وسوف أعيش فى هذا الواقع العسكري مهما كان بائسًا. كنت أفكر فى شخص ما، وعندما أدركت أن هذا يجعلنى مكتئبا توقفت عن التفكير به، وتحسنت صحتي النفسية فى الأسابيع التالية. فى كل صباح (نحن نستيقظ كل يوم الساعة 4 أو 5 صباحا) كنت أحب أن أبدأ اليوم «بأغنية اخرتو لحن حزين»
لم أكن لأستطيع أن أنجو من هذا المعسكر بدون شيئان أساسيان، أولًا صديقى عبدالله وهو فتى نقى تعرفت عليه فى دهشور، وكنت أجلس معه معظم الوقت يحكى لى عن مغامراته العاطفية. لقد أحب فتاة وشاهدها تتخطب وتتزوج أمام عينيه، بالإضافة من أنه عانى من طفولة صعبة للغاية بسبب عيب خلقى فى لسانه. إنه فتى محطم لكنه مكافح. هو الوحيد من بين إخوته العشرة الذى استطاع أن يكمل فى التعليم العالى ويدخل كلية الهندسة وكان يصرف على نفسه منذ المرحلة الثانوية. عبدالله يتميز بالبساطة الشديدة. جوهره نقى لكن قلبه يبحث عن الحب. عندما رحل عبدالله قبلى من المعسكر شعرت بالوحدة. لقد كان يملأ يومى ويعمل «جوا». اعتدت أن أخرج من الغذاء فأراه ينادى على بصوت عالى «ادكترررررره». كان اسمى فى دهشور هو «الدكتور».
والشيء الثاني الذي خفف على هو الكتب والمجلات. لم يكن معى كتب و مجلات عندما دخلت المعسكر. لكني سرعان ما أدركت أنى لا أستطيع العيش بدون القراءة. لحسن حظي كان المعسكر الذى ذهبت إليه قد نقل للتو. وكان قبله يوجد معسكر للمشاة، وقبل أن يغادر طاقم المشاة، ألقى أوراقه وكتبه مع أكوام القمامة. كنت أذهب هناك أبحث عن الكتب بين القمامة. وجدت جزء من كتاب يتحدث عن الحرب العالمية الثانية من أول غزو بولندا حتى الاستيلاء على ستالينجراد. وقرأت كتاب «تاريخ الحروب الجزء الأول» للجنرال مونتجمري الذي قاد معركة العلمين ضد الجنرال روميل. قرأت الكثير من المجلات العسكرية مثل «الدفاع» و«النصر». وجمعت كمية كبيرة من الكتب منها على ما أتذكر «حروب شمال أفريقيا» وكتاب يتحدث عن «حرب فلسطين» و كتاب «تطور هيئة أركان الجيش الألمانى من فريدريك حتى الحرب العالمية الثانية». كنت أمشى فى المعسكر حاملا دائما للكتاب معى.
كانت هناك أياما قاسية للغاية، وأياما سهلة للغاية. كان الجميل فى معسكرات الجيش أنى أستطيع رؤية القمر بأطواره المختلفة بوضوح. كما كان الغروب ساحرا وكانت الكثير من الطائرات تمر وأظل أتابعها وأندهش لثباتها فى الجو. وفي الليل كنت أحدق فى النجوم. وفى معسكر الجلاء نمت ليلة فى العراء أنظر إلى النجوم ولاحظت لأول مرة وجود مجموعة من النجوم قريبة جدا من بعض ويبدو أنها فى حالة حركة مستمرة بسرعة كبيرة. كنت مذهولا لأنى لأول مرة أرى تلك الظاهرة بعينى المجردة. لم أرصد قط نجوم متحركة. خمنت أنها مجموعة نجمية وتسألت هل يمكن أن تكون تلك النجوم ترقص حول ثقب أسود؟
أكبر تأثير لى فى معسكر التدريب هو استخدام الكرتونة فى أرض الطابور. كانت أرض الطابور التى نقوم بعمل التمارين الرياضية عليها مليئة بالحصى الذي يغرس فى اليد كلما جلسنا عليه أو قمنا بالتمرين الضغط. لذا قررت أن أخذ قطعة من الكرتونة لأجلس عليه و أتمرن عليها. أتريق على زملائي في البداية ولم يفهموا الفكرة. ولكن فى خلال وقت قصير. كان أكثر من خمسمائة شخص يقلدوننى.. وكنت سعيد للغاية بأن الفكرة انتشرت.
طورت صلوات تساعدنى فى عبور تلك الفترة، أحيانا كنت الدموع تنفرط منى كلما واجهت لحظات صعبة للغاية. لهذا طورت أدعية أرددها كلما ازداد الأمر سوء
فتى الذى يقوينى و يؤينى ويرشدنى فى كل طريق اسلكه. بك استعين. انت منبع قوتي ومحقق احلامى وبك اقتدى. امنحنى القوة والصبر والحكمة لا ذلل كل عقبة واخضع أى عدو. ابنى لى إمبراطورية فى الشرق تكن عونا لكل من أراد النمو. تخليدا لاسمى فى زمنى وفي كل الأزمنة، فى عالمى وفى كل العوالم. واجعلنى نجما متوهجا جميلا. يبدد كل ظلام وينشر النور ويُبعث بعد كل موت ويقف بعد كل سقوط. أبحر فى كل محيط وتسلق أعلى الجبال. أمضى ولا تتوقف. ولا تضع لنفسك حدود.
مع كل فجر جديد، ينبثق أملا فى أن تصبح شىء ذو قيمة، لذا حدد أولوياتك وأعمل جاهدا لتحقيق أهدافك. ركز على كل ما هو جوهرى وابتعد عن كل ما هو ثانوى. كن متفائلا و جريئا. طور اساليبك، ولا تخشى الدخول في مغامرات جديدة.
تعليقات
إرسال تعليق