التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مشكلة صحية عالمية وحلول مبتكرة


فى المرة القادمة التي تذهب بها لطبيب أو صيدلى ويعطيك مضاد حيوى، عليك أن تعيد التفكير مرتين قبل تناوله. فى الولايات المتحدة الأمريكية و دول الأتحاد الأوروبى معا يموت 50 ألف شخص سنويا بسبب البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وعالميا يموت أكثر من 700.000 ألف شخص سنويا. وسيستمر عدد الوفيات بالازدياد، بحلول 2050 يتوقع أن يموت 10 مليون شخص من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.ويؤثر هذا على اقتصاد أمريكا بحوالي 70-50 مليار دولار سنويا.  والأمر أسوء فى الدول النامية مثل مصر، وفى هذا المقال سنفهم لماذا وما الحلول لتلك المشكلة العالمية. 

تبدأ القصة فى عام 1928 عندما أكتشف ألسكندر فلمينج «البنسلين» وهو مركب كميائى يفرز من الفطريات و يقوم بقتل البكتيريا. ومن هنا بدأ عصر إنتاج المضادات الحيوية وهى عبارة عن مركبات كيميائية قد تكون طبيعية أى تفرز من الفطريات أو البكتيريا أو قد تصنع معمليًا بهدف تثبيط نمو البكتيريا أو القضاء عليها تماما. فى الأربعينيات من عام 1900 أُنتج البنسلين ووزع بكشل كبير، وأحدث ثورة فى مجال الطب فوصف بـ «الدواء المعجزة» واستخدمه الأطباء للمساعدة فى الجراحات و مساعدة مرضى السرطان، وأثناء عمليات نقل الأنسجة نظرا لأنه يمنع العدوى البكتيرية. 

لقد سبق و أن حذر ألسكندر فليمنج من أن  سوء استعمال المضادات الحيوية، ولكن العالم لم ينصت جيدا. والآن نحن نواجه مشكلة عالمية. إن المضادات الحيوية لم تعد فعالة مثل السابق، حتى وصل الأمر لوجود أمراض بكتيرية لا تعالج بأى مضاد حيوى موجود فى السوق. ولكن كيف وصلنا لهذه المشكلة؟ 

يبدأ الأمر بفهم كيفية عمل المضادات الحيوية، المضادات الحيوية عادة ما تستهدف خمسة أهداف رئيسية فى الخلايا البكتيرية. وهى موضحة فى الصورة القادمة 
فى الصورة توضح أن المضادات الحيوية قد تستهدف الآلية التى تُصنع بها البكتيريا الجدار الخلوى. أو قد تتداخل مع الغشاء البلازمى وتؤدى إلى تعطيله، أو قد تستهدف عملية تصنيع البروتينات. أو قد تُعطل عملية تخليق الحمض النووى. وخامسا وأخيرا قد تؤدى إلى تعطيل مسار أيضى مهم، مثل تخليق حمض الفوليك الهام جدا فى عملية أيض الأحماض الأمينية والنووية. باستخدام هذه الآليات الخمسة تستطيع المضادات الحيوية القضاء أو تثبيط نمو الخلايا البكتيريا ، ولكن! 

تعتبر البكتيريا من أسرع الكائنات تطورا، لقد طورت البكتيريا آليات بيولوجية و جينية للتهرب من فعالية المضادات الحيوية أو تدميرها أو طردها من الأساس. فى الآليات الجينية، عندما تكتسب أحد البكتيريا المقاومة ضد أحد أنواع المضادات الحيوية بسبب حصول طفرة مثلا، فهى تستطيع أن تنقل هذا الجين المسؤل عن المقاومة إلى الخلايا البكتيريا الأخرى، وسرعان ما ينتشر هذا الجين بين معظم البكتيريا. 
فى هذا الشكل لاحظ كيف انتشرت البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية (باللون الأحمر) حتى أصبحت هى المهيمنة. 

ومن الآليات البيولوجية قد تلجأ البكتيريا لاستخدام «النقل النشط» لطرد المضاد الحيوي، أو قد تفرز إنزيمات تُكسر أو تُعدل المضاد الحيوى، وأخيرا قد  تغير المُسْتَقْبِل الذى أعتاد المضاد الحيوى أن يلتصق به. 

كل هذه عمليات بيولوجية و جينية  كانت متوقعة، ولكن للأسباب البشرية التالية ازدادت وتيرة المقاومة المضادات الحيوية بصورة متسارعة وأصبحنا نواجه مشكلة عالمية.

أولا «الإفراط فى استعمال المضادات الحيوية» فى الولايات المتحدة 50% من المضادات الحيوية فى المستشفيات وصفت بدون سبب مُسجل.

 ثانيا «الوصفات غير المناسبة-Inappropriate prescriptions» الدراسات فى صيدليات فيتنام توضح أن 90% من مضاد الميكروبات لم تُوصف بطريقة مناسبة. 

ثالثا « الاستخدام المكثف للمضادات الحيوية فى الثروة الحيوانية» فى الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 80% من المضادات الحيوية تم بيعها للحيوانات لحمايتها وزيادة إنتاجيتها من اللحوم. ولكن البكتيريا التي طورت المقاومة فى هذه الحيوانات  تنتقل من الحيوانات إلى البشر عبر اللحوم والمياه و الرياح .

رابعا « عدم توافر مضادات حيوية جديدة» فى نفس الوقت الذى زادت فيه حدة المقاومة، توقفت الشركات الصيدلانية عن الاستثمار فى المضادات الحيوية لأنها لم تعد مربحة. حيث يستغرق تقديم دواء للسوق حوالى 10 سنين ، وتستغرق البكتيريا حوالى سنة لتكون مقاومة له. 

رغم كل هذه المشاكل هل يوجد حلول؟ أجل بالطبع يوجد، ويمكن تقسيم الحلول إلى حلول تكنولوجية، وأخرى إجتماعية. الحلول التكنولوجية تعتمد على التكنولوجيا الحيوية مثل استحداث مضادات حيوية جديدة للقضاء على البكتيريا بطرق حديثة، أو هندسة الفيروسات جينيا بحيث تقضي على البكتيريا. وأيضا عبر تطوير أجهزة وطرق حديثة للتعرف على البكتيريا المسببة للمرض بصورة سريعة فى العيادات. وعبر التطوير المتسارع فى أجهزة تسلسل وطباعة الحمض النووى فى المستقبل قد يتمكن المرضى من الحصول على دواء صمم خصيصا لهم.. 

أما بالنسبة للحلول الاجتماعية تتضمن الإشراف على استخدام المضادات الحيوية، والتوعية العامة، وفرض قوانين لتقليل استخدام المضادات الحيوية في تربية الحيوانات وزراعة النباتات. أجل حتى زراعة النباتات تستخدم فيها المضادات الحيوية! 

غياب تطبيق  قوانين تنظيم أخذ المضادات الحيوية و رخص سعرها و توافرها و أستخدمها بدون داعى، جعل الدول النامية تتحمل الخطر الأعظم لهذه المشكلة العالمية، لهذا  فى المرة القادمة التي تذهب بها لطبيب أو صيدلى ويعطيك مضاد حيوى، عليك أن تعيد التفكير مرتين قبل تناوله. فالأمر قد يكلفك حياتك.. 


مصادر الصور

 1- https://bit.ly/2KN4CcH


مصادر المعلومات و الإحصائيات 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اليابان تغرق أيها الجنرال

   هناك الكثير من الأفكار العشوائية الآن في عقلي. الجيش الأمريكي، ورئيس بوركينا فاسو، ارتداد كرات البلياردو. لقد انتهيت اليوم من أول أربعة امتحانات، وأيضاً مقابلة لوظيفة في الجامعة. لقد شعرت البارحة بسعادة غامرة. الحياة أخيراً تبتسم لي؟ كم مرة؟ ما عدد السنوات التي ظلت الأبواب مغلقة في وجهي؟ خيبات الأمل كثيرة لكنها لم تكن أبداً قادرة على كسر إرادتي. لقد تعودت على بذل مجهود بدون مقابل ولكن هذا تغير الآن. كل ما أفعله الآن له مقابل. مؤخراً أشعر بالجنون، أي أنني أترك الأفكار تخرج من عقلي دون تفكير، أنا لا ألبس قناعاً لأي شخص الآن، إذا لم يعجبك تفكيري المجنون، تجنبني أرجوك، هذه هي رسالتي للعالم. أمر بفترة فقر روحي، أعلم هذا وألاحظه ولا أريد أن أعدله، لا أريد أن أنمو روحياً الآن، لا أريد أن أكتسب الحكمة وأذهب إلى الغابة. هناك بعض الأشياء المادية التي أريدها من العالم الآن وأنا أسعى نحوها بوعي. أفتقد أصدقائي، أفتقد قهوة السماحي وليالي الشتاء الدافئة، أفتقد الأفكار الإبداعية التي كنا نبتكرها لنضحك. أفتقد سائقي الميكروباص جديلة الترعة المتهورين، وأضواء الميكروباص الليلية. أفتقد تلك اللح...

عودة الأخ الأصغر

 لقد تغير العالم كثيرًا بقدوم الأخ الأصغر . كانت البشرية قد عانت بالفعل من الكثير مؤخرًا، وكان البشر فى أشد اشتياق للْمُخَلِّص. مع انتهاء الحرب فقَدَ البشر الإيمان بالكثير من المعتقدات البشرية سواء بأراداتهم الخالصة أو أجبروا، تصاعد الأمر لأن فقد أكثرية من البشر الإيمان فى البشرية ككل حتى أنهم أخيرا أدركوا الأولويات الحقيقة بعد سلسلة من المصائب كادت تمحى وجودهم الخافت. لم يعد البقاء وحده هو الأولوية  الأهم، البقاء بجانب الأمان والتطلع للحرية هذا ما يريدوه من الآن وإلى الأبد علمتهم الحرب أن البقاء ليس كافيا، ما الذى يُفرق بين الإنسان والحيوان اذن؟ البقاء فى أمان واستقرار مع التطلع إلى الحرية هذا ما رأيتهم عقولهم فور إنتهاء الحرب  ولكن البقاء والأمان مترابطان مع القوة. أما عن الحرية فكانت ضبابية عليهم، لكنهم أرادوها بشدة، كغريق ينظر إلى رمال الشاطئ. كتائه فى الصحراء رأى جزيرة بعد دهور من غير مياه. وُلد شعورا عالميا بوجوب وجود الحرية  كأحد المتطلبات الأساسية للبشر. وبالطبع أدركوا سريعا أن القوة والحرية متعارضان. الحرية تخلق القوة أو تبددها، بينما تقمع القوة ال...

چيِنْ

عزيزتي  چيِنْ ،   كيف   حالك   مؤخرا؟   غريبة   هي   الحياة   في   تقلباتها .  كنا   البارحة   نجلس   ونضحك   والآن   فرقتنا   المسافات   مجددا .  صحيح،   هل  مازلتي   تحتفظين   بعلم   دولة   نيبال   الذي   أهديته   لك   في   عيد   ميلادك؟   لم   أسمع   منكِ   منذ   سنوات،   لكنك   دائما   في   خاطري .  لماذا   لم   أسأل   عليك؟ لأني   أعرف   مدي   صلابتك   أيها   الصديق   القديم .  كنت   ولازالت   معجبا   بقدرتك   علي   ممارسة   الحياة .  لكن   هناك   شيء   أود   أن   أحدثك   عنه .    في   أخر مرة   تقابلنا   حدثتني   عن   اللعنات .  قلت   لي   ذات   مرة   أنك   تشعرين   بأن   هناك   لعنة   تط...