هناك شيء مشترك فى كتابات هاروكي إنه دائما ما يحاول سبر سيكولوجية تكوين المرأة وخاصة فى سن صغير. يحاول أن يميز الخط الفاصل فى حياة الأنثى، الأحداث التى تجعل الطفلة مراهقة، المراهقة فتاة، والفتاة مرأة.
البارحة، كنت محظوظا أني خرجت مع زميلة دراسة لى فى رحلة نيلية. كانت زميلتى تأخذ أختها الصغرى في فُسحة في المدينة. أنا أعشق الرحلات النيلية. ودائما أحاول أن أقنع أصدقائى بالذهاب معى، لكنهم لم يكونوا متحمسين مثلى. والآن أتت فرصة، ولن أضيعها..
تقابلت أنا و زميلتى وأختها الصغرى وذهبنا إلى مرسى شجرة الدر، حجزنا تذاكر وانتظرنا أكثر من نصف ساعة وصول مركبنا كنا حينها نتحدث في مواضيع عامة مثل ماذا سوف أفعل بعد التخرج وهكذا. وحاولت التقرب من الفتاة الصغرى، اسمها (هنا)، التى سوف أكتشف بعد قليل أنها تسبق سنها. ومن يتعامل مع الأطفال، لابد أن يحسدهم على بساطة العالم في نظرهم، كانت فى خمسة ابتدائى، حوالى عشر سنوات، لكنها كانت مميزة بلا شك. سألتها ماذا تريدين أن تكونى عندما تكبرين؟ قالت لى «شرطية» أو « طبيبة جراحة». عندما قالت جراحة، حكيت لهم أن لى صديق اسمه حسونه يريد أن يصبح طبيب جراح حتى يغير نغمة موبايله لأغنية «طبيب جراح» لجورج وسوف.
لا تحب المدرسة، لم تذهب إليها من الأساس طوال سنوات التعليم. تذهب إلى الدروس لتقابل أصدقائها فقط. لا تحب الدراسات أو اللغة الإنجليزية. لكنها تحب العلوم وخاصة الجزء المتعلق بالكواكب. حاولت أن تعد أمامى الكواكب لكنها نسيت معظمهم. وعندما قلت لها بلوتو. قالت لى أنه «ُنفى» ولم يعد موجود. ضحكت وقلت لها.. لا إنه مازال موجود فى مكانه لكنه لم يعد كوكبًا. حاولت أن تسترجع ما حفظته عن بلوتو فقالت لى وهى تسترجع كلمات الكتاب «لصغر حجمه وضعف ايههـ» ضحكت لها وقلت لا بأس، المهم أن تفهمى أن بسبب حجمه الصغير تغير تصنيفه ولم يعد كوكبا.
جاءت المركبة، صعدنا على سطحها، وقفنا فى نصفها لأن جميع الأماكن غير متاحة للجلوس. كانت «هنا» أكثرنا سعادة، كانت تريد أن تجرى وتلعب وتضحك. وقفنا قليلا، ثم جلسنا. عندها بدأت أنا و زميلتى التحدث عن مشكلة حدثت بينها وبين زميله أخرى معنا في نفس الدفعة. شرحت لى وجهة نظرها. هكذا استمعت إلى وجهتين النظر. وقررت أنه على أن أسمع وجهتين نظر اى خلاف قبل أن أخذ أى موقف.
أخذنا بعض الصور لهنا وهي تقعد على مقدمة السفينة. وسألتها من هو ممثلك المفضل، فقالت «تامر حسنى» ضحكت وقلت لها، ما هي أغنيتك المفضلة لتامر، قالت لى «جميعهم، اى شىء به تامر». وتحب أفلام محمد هنيدى بالرغم من أنها لا تتذكر اسمه. كان تعامل وتجاوب هنا معى يحتوى على عنصر أنثوي. أعجبنى العنصر الأنثوي داخلها. ولم أتوقع أن شخصية الأنثى تظهر فى هذا السن المبكر. لكني الآن أعتقد أنها تظهر حتى قبل هذا بكثير. ماهو عصيرك المفضل؟ بدون ذرة تفكير قالت لى «القصب»
استكملت أنا وزميلتى الحديث وتحدثنا عن التجارب العاطفية فى حياتنا. كانت لها خبرات أكثر منى، لهذا فضلت معظم الوقت أصغى لها. إنها تريد الشخص الذى يواعدها أن يكون لها أربعة وعشرون ساعة، وأن يقطع علاقاته بكل زميلاته. لهذا دائما ما فشلت علاقاتها، لأن من يواعدها، يخونها على حد تعبيرها مع بالتحدث والخروج مع فتاة أخرى. إن تجارب زميلتى فى المواعدة حولتها من فتاة إلى إمرأة ، فهى لم تعد تريد أن تعيش قصة حب كما يظهر في المسلسلات التركية. أصبحت تبحث عن شخص مناسب لها. ووضعت له معايير بأن يكون متدين وطموح. بالتأكيد تريد الحب لكنه لم يعد المعيار الوحيد.
بعدها حكيت لها تجربتي الأخيرة مع كيم، وقالت لى ما الذى جعلها لا تريد العلاقة، قلت لها غالبا بسبب ما حدث يوم رحلة برج العرب وقصصت عليها ما حدث. قالت لى هذا خيانة. فكرت وقلت هذا سوء تفاهم. ردت وقالت لى، أعكس المواقف، فلنتخيل أنها هى ال تجلس مع فتى على البحر وأنت الذي ينظر من الخلف، ألن يضايقك هذا؟ فكرت وقلت: معك حق. سوف أتضايق فعلا.شعرت حينها أنى أحمق. وأنه كان يجب على الاعتذار أو توضيح الأمر لها.
سألت زميلتي هل قرأتى الكتاب الذي رشحته لك « النساء من الزهرة والرجال من المريخ» قالت لى أنها بدأته لكنها لم تستكمله. فى نظرها الرجال فقط هم من يحتاجون قراءة هذا الكتاب لفهم احتياجات المرأة. ضحكت وقلت لها، أن معشر النساء يجب أن يحاولوا أن يفهموا الرجال قليلا. فنحن نعرف أنكم تريدون الاهتمام دائما، وتريدون أن يكون قصة حياة رجلكم مشوقة. فإذا كنت تواعدين شخصا، تريده أن يكون كل يوم فى فيلم أكشن، بيعمل مغامرات في غابات أفريقيا الاستوائية، بيحقق فى قضية قتل. وبعد مرور بعض الوقت على العلاقة تقولون له أن لا يقول كلاما حلوا كالسابق، واى شىء سوف يفعله سوف تتنتقدونه وتقولون مكرر. اتفقت معى زميلتى فى كل ما قولت.
حينها كنا نقف أمام بعض وجها لوجها، يفصلنا هنا الجالسة على مقدمة المركب. قلت لها ما رأيك أن نجلس؟ قالت لي أنها تحب الوقوف. كان الألم بدأ يتراكم فى قدمي جراء الوقوف. وأعرف أن الأمر هكذا بالنسبة لها، لكنها تعاند. بادرت وقلت لها أن قدمى توجعنى، لذا جلسنا. وقالت أنها تشعر بالراحة أخيرا وأنها كانت تود الجلوس. عنيدة هي المرأة.
عندما جلسنا وكنا فى بداية المركب ناحية غرفة القيادة. كان هناك شخص فى نهاية المركب بدأ بالرقص. كان مصابا بمتلازمة دون غالبآ فى منتصف العشرينات أو أكثر، كان يضع السماعات في أذنيه. ويتشقلب ويرقص وكأنه لا يوجد أحد غيره فى الكون. كان يرمى بجسده الكبير على الأرض ثم يقوم ثم يرمي بنفسه مجددا. وعندما انتهى من الرقص ووقف. قامت زميلتي بالتصفيق الخفيف له، ثم قامت هنا بالتصفيق تبعها تصفيقى الخفيف. علت الإبتسامة وجهه وتقدم نحوي، وعندما وصل إلى سلم على. رجع إلى الخلف خطوتين. قام بتحريك يده كأنه يعمر البندقية ( الشوت جن) وأطلق على النيران..
وقفنا مجددا و استكملنا الحديث. قلت لها أنى وكيم تواصلنا تواصل خفيف بعد انقطاع طال سنة مؤخرا. تغيرت ملامح وجهها وعقدت حاجبيها. وسألتها ماذا؟ جاوبتني بأنه فى مثل تلك الحالات، يجب أن أقطع علاقتى معها نهائيا أو ترجع علاقتنا فتكون أقوى. قلت لها لست اتفق معاكِ تماما. لأن أكثر الأشياء التى حزنت عليها بفقدانى لكيم، إني افتقدت زميل جيد. وكنت دائما انزعج من فكرة أنى قد أقابلها فى يوم من الأيام وأتجاهلها، كان هذا يؤلمني. لهذا كنت أريد على الأقل الحفاظ على رابط الزمالة الذى بيننا.
قالت لى إن التواصل بينكم سوف يزداد مع مرور الوقت. اتفقت معها. وواصلت، أن القلب لا يعرف حدود. بادرتها بإن عقلى يعرف حدوده جيدا مع أى شخص. لهذا لم اتواصل معها طيلة السنة الأخيرة. يمكننى الاعتماد على عقلى فى هذا. تقبلت زميلتى كلامى على مضض.
وبعدها تحدثنا عن الحد الفاصل بين الصداقة والحب. وقصصت عليها أنى فى أحد الأيام خرجت فى «Date» وأنا لا أعرف، مع صديقتى المُفضلة. وعندما لم نكررها، حزنت منى صديقتى ولم تعد تتواصل معى. هى كصديقة عشرة على عشرة، ولا أريد أن أخسرها، لكن علاقتنا أصابت بنوع من الركود من بعد هذا الموقف. قصت لى زميلتى موقف مشابه لها. مع صديق أراد أن يحول الصداقة إلى حب، لكنها أخبرته أن هكذا أفضل. فى الحب سوف نخسر بعضنا. هكذا أفضل.
وانتهت الرحلة النيلية بسلام، أوصلتها لموقف المواصلات وغادرت. كنت سعيد للغاية بالتحدث مع زميل بهذه الحرية. وكنت سعيد بالتحدث مع هنا.
تعليقات
إرسال تعليق