جلس في المقعد الثالث خلف السائق يفصله عن البحر المضطرب أمواجه نافذة زجاجية تغطيها من الخارج شذرات من الماء، ألقاها البحر من شدة غضبه. كان المقعد يتسع لشخصين، جلس ناحية الباب بجانب فتاة تبدو فى العشرينيات من عمرها، لم يعيرها أي اهتمام، نظر من النافذة المبللة للأمام فرأى القلعة رابضة فى نهاية الأفق صغيرة ولكنها أكثر من جريء على تحدى البحر. إكتمل الركاب وانطلق السائق فى طريقة المتكرر،كان الطريق من المكتبة إلى القلعة طريقا مباشرة، يزداد اعوجاجًا ناحية اليمين كلما اقتربت من القلعة. داخل الميكروباص، او كما يسميه أهل الإسكندرية «مشروع» خيم جوا دافئا حقا، مفعما بالصمت والهدوء، الجميع متأنقين فى ملابسهم الشتوية الذى غلب عليها اللون الأسود. هدأت نفسه واستعاد تفكيره ببطء، أول شيء خطر على باله هو يومه الأول فى الإسكندرية، كان صغيرا ووحيدا فى الشتاء، زارها وهو ولا يعرف أحدا ولا مكانا فيها ولكن المدينة رحبت به كما رحبت بنابليون، الأمور كانت تحدث من تلقاء نفسها بدون أن يكلف نفسه مجهود، تذكر أن بمجرد خروجه من محطة القطار- سيدى جابر-، لم يتجاوز بضعة أمتار حتى وجود سائق ينادى على اسم المكان الذي...